سورة محمد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}
{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي أعرضوا عن الإسلام وسلوك طريقه أو منعوا غيرهم عن ذلك على أن صد لازم أو متعد، قال في الكشف: والأول أظهر لأن الصد عن سبيل الله هو الاعراض عما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {قُلْ هذه سَبِيلِى أَدْعُو إلى الله} [يوسف: 108] فيطابق قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ بما نُزّلَ على مُحَمَّدٍ} [محمد: 2] وكثير من الآثار تؤيد الثاني، وفسر الضحاك {سَبِيلِ الله} ببيت الله عز وجل، وقال: صدهم عنه منعهم قاصديه وليس بذلك. والآية عامة لكل من اتصف بعنوان الصلة، وقال ابن عباس: هم أي الذين كفروا وصدوا على الوجه الثاني في {صدوا} المطعون يوم بدر الكبرى، وكأنه عني من يدخل في العموم دخولًا أوليًا، فإن أولئك كانوا صادين بأموالهم وأنفسهم فصدهم أعظم من صد غيرهم ممن كفر وصد عن السبيل، وأول من أطعم منهم على ما نقل عن سيرة ابن سيد الناس أبو جهل عليه اللعنة نحر لكفار قريش حين خرجوا من مكة عشرا من الإبل، ثم صفوان بن أمية نحر تسعا بعسفان، ثم سهل بن عمرو نحر بقديد عشرا ثم شيبة بن ربيعة وقد ضلوا الطريق نحر تسعا ثم عبتة بن ربيعة نحر عشرا، ثم مقيس الجمهى بالأبواء نحر تسعا، ثم العباس نحر عشرا، والحرث بن عامر نحر تسعا، وأبو البختري على ماء بدر نحر عشرا، ومقيس تسعا؛ ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم، وقيل: كانوا ستة نفر نبيه. ومنبه ابنا الحجاج. وعتبة. وشيبة ابنا ربيعة. وأبو جهل. والحرث ابنا هشام، وضم مقاتل إليهم ستة أخرى وهم عامر بن نوفل. وحكيم بن حزام. وزمعة بن الأسود. والعباس بن عبد المطلب. وصفوان بن أمية. وأبو سفيان بن حرب أطعم كل واحد منهم يومًا الاحابيش والجنود يستظهرون بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي عد أبي سفيان أن صحت الرواية من أولئك كونه مع العير لأن المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل من أطعم في الطريق وفي مدتها حتى انقضت، وقال مقاتل: هم اثنا عشر رجلًا من أهل الشرك كانوا يصدون الناس عن الإسلام وأمرونهم بالكفر، وقيل: هم شياطين من أهل الكتاب صدوا من أراد منهم أو من غيرهم عن الدخول في الإسلام.
والموصول مبتدأ خبره قوله تعالى: {الله أَضَلَّ أعمالهم} أي إبطالها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها ولا نفع أصلًا لا عنى أنه سبحانه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن كذلك بل عنى أنه عز وجل حكم ببطلانها وضياعها وأريد بها ما كانوا يعملونه من أعمال البر كصلة الأرحام وقرى الأضياف وفك الأساري وغيرها من المكارم.
وجوز أن يكون المعنى جعلها ضلالًا أي غير هدى حيث لم يوفقهم سبحانه لأن يقصدوا بها وجهه سبحانه أو جعلها ضالة أي غير مهتدية على الإسناد المجازي، ومن قال الآية في المطعمين واضرابهم قال: المعنى إبطال جل وعلا ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالانفاق الذي أنفقوه في سفرهم إلى محاربته عليه الصلاة والسلام وغيره بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم وإظهار دينه على الدين كله، ولعله أوفق بما بعده، وكذا بما قيل أن الآية نزلت ببدر.


{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بما نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}
{والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} قال ابن عباس فيما أخرجه عنه جماعة منهم الحاكم وصححه هم أهل المدينة الأنصار، وفسر رضي الله تعالى عنه {الذين كَفَرُواْ} [محمد: 1] بأهل مكة قريش، وقال مقاتل: هم ناس من قريش، وقيل: مؤمنو أهل الكتاب، وقيل: أعم من المذكورين وغيرهم فإن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص {وَءامَنُواْ بما نُزّلَ على مُحَمَّدٍ} من القران، وخص بالذكر الإيمان بذلك مع اندراجه فيما قبله تنويها بشأنه وتنبيهًا على سمو مكانه من بين سائر ما يجب الإيمان به وانه الأصل في الكل ولذلك أكد بقوله تعالى: {وَهُوَ الحق مِن رَّبّهِمْ} وهو جملة معترضة بين المبتدأ والخبر مفيدة لحصر الحقية فيه على طريقة الحصر في قوله تعالى: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] وقولك: حاتم الجواد فيراد بالحق ضد الباطل، وجوز أن يكون الحصر على ظاهره والحق الثابت، وحقية ما نزل عليه عليه الصلاة والسلام لكونه ناسخًا لا ينسخ وهذا يقتضي الاعتناء به ومنه جاء التأكيد، وأيًا ما كان فقوله تعالى: {مّن رَّبّهِمُ} حال من ضمير {الحق} وقرأ زيد بن علي. وابن مقسم {نَزَّلَ} مبنيًا للفاعل، والأعمش {أَنَزلَ} معدى بالهمزة مبنيًا للمفعول. وقرئ {أَنَزلَ} بالهمز مبنيًا للفاعل {وَنُزّلَ} بالتخفيف {كَفَّرَ عَنْهُمْ} أي سترها بالإيمان والعمل الصالح، والمراد إزالها ولم يؤاخذهم بها {سيئاتهم وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد، وتفسير البال بالحال مروى عن قتادة وعنه تفسيره بالشأن وهو الحال أيضًا أو ماله خطر، وعليه قول الراغب: الباب الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال: ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال» الحديث ويكون عنى الخاطر القلبي ويتجوز به عن القلب كما قال الشهاب. وفي البحر حقيقة البال الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ومن صلح قلبه صلحت حاله، فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع له، وحكى عن السفاقسي تفسيره هنا بالفكر وكأنه لنحو ما أشير إليه، وهو كما في البحر أيضًا مما لا يثني ولا يجمع وشذ قولهم في جمعه بالات.


{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}
{ذلك} إشارة إلى ما مر من الاضلال والتكفير والاصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وَأَنَّ الذين ءامَنُواْ اتبعوا الحق مِن رَّبّهِمْ} أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الحق؛ والمراد بالحق والباطل معناهما المشهور.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد تفسير {الباطل} بالشيطان. وفي البحر. قال مجاهد: الباطل الشيطان وكل ما يأمر به و{الحق} هو الرسول والشرع، وقيل: الباطل ما لا ينتفع به، وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف و{بِأَنَّ} إلخ في محل نصب على الحال، والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبسًا بهذا السبب.
والعامل في الحال أما معنى الإشارة وأما نحو أثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأنه مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكابًا للحذف من غير داع له، والجار والمجرور أعني {مّن رَّبّهِمُ} في موضع الحال على كل حال، والكلام أعني قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ} إلى قوله سبحانه: {مّن رَّبّهِمُ} تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول، ويسميه علماء البيان التفسير، ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه:
به فجع الفرسان فوق خيولهم *** كما فجعت تحت الستور العواتق
تساقط من أيديهم البيض حيرة *** وزعزع عن أجيادهن المخانق
فإن فيه تفسيرًا على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام {كذلك} أي مثل ذلك الضرب البديع {يَضْرِبُ الله} أي يبين {للناس} أي لأجلهم {أمثالهم} أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم، واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم، وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيل والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والاضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلًا لعمل المؤمنين وتكفير السيآت مثلا لفوزهم والإشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق، وجوز كون ضمير {أمثالهم} للناس؛ والفاء في قوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8